إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه. اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.
السراج الوهاج للمعتمر والحاج
47745 مشاهدة
واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى

العبادات التي يُتعبد بها في مكة المكرمة لا شك أنها قربات يُتقرب بها إلى الله تعالى؛ وذلك لأنه هو المعبود وحده، ولأن تلك الأماكن لها فضلها، ولها ميزتها، وتضاعف فيها العبادة، فيقصدها المؤمنون لمضاعفة أجر العبادة فيها، وهم يعرفون أن الله -تعالى- هو المعبود، بخلاف المشركين الأولين، فإنهم كانوا يعتقدون أن المعبود هو أصنامهم التي كانوا يعظمونها في تلك البقاع، فمحا الإسلام ذلك، وجعل التعظيم لله -تعالى- وحده.
وإن تعظيم تلك المشاعر تعظيمٌ للرب الذي شرع تلك المشاعر وتلك الحرمات؛ فقول الله -تعالى- وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا (سورة الحج ، الآية :26) بدأ بالنهي عن الشرك؛ وذلك حتى لا يتخذ ذلك الموقع معبدا لغير الله، تعبد فيه الأصنام، ثم قال الله -تعالى- وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (سورة الحج ، الآية :26) .
أمر بأن يُطهَّر، وليس التطهير بغسله بالماء، ولكن تطهيره من الأقذار والأرجاس والأنجاس والشركيات والبدع والمحدثات؛ فيطهره من هذه الأشياء مكان مقدس، ولأنه موضع العبادة.
وأمر بأن يُطهر؛ لأن هناك من يقصده لأن يطوف به، والطواف عبادة، وهناك من يقصده لأجل الاعتكاف فيه، والاعتكاف عبادة، وهناك من يقصده للصلاة فيه -أي: الصلاة التي هي قيام وقعود، وركوع وسجود- وهي كلها عبادة، فأمر بأن يكون المكان نظيفا طاهرا من الأرجاس والأنجاس والشركيات والبدعيات ونحوها.
وقد جعل الله -سبحانه وتعالى- تلك البقاع بقاعا آمنة مقدسة، وأبقى فيها الآيات التي هي من آيات الله -تعالى- الكونية، قال -تعالى- إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا (سورة آل عمران ، الآية :96-97) .
ومن هذه الآيات البينات التي لا تزال فيه: مقام إبراهيم -عليه السلام- الذي كان يقوم عليه؛ فإنه لما كان يبني البيت ظهرت آثار قدمه على الحجر مع طول مقامه ووقوفه عليه، فأصبح ذلك الحجر آية من آيات الله الباقية.
يقول أبو طالب
وموطئُ إبراهيم في الصخر رطبة علــى قدميه حافيا غير ناعــل
هذا المقام جُعل آية من آيات الله، وجُعِلَ في هذا المكان، وأمر المصلون بأن يصلوا خلف المقام، قال الله -تعالى- وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى (سورة البقرة ، الآية :125) ؛ أي: صلُّوا عنده، وصلاتكم تكون لربكم وحده، وإنما يكون ذلك المقام، وذلك البيت قبلة لكم تتوجهون إليه.
وهذا البيت الذي أمر الله بتطهيره في قوله -تعالى- أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ (سورة البقرة، الآية:125) له أهميته، وله مكانته، وله منزلته في النفوس؛ ولأجل ذلك فإن قلوب العباد تتجه إليه، وتتعلق به ، في شرق البلاد وغربها، وفي قريبها وبعيدها، حيث إنه قبلتهم التي يتوجهون إليها في صلاتهم، وفي أدعيتهم، قال الله تعالى : قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (سورة البقرة، الآية: 144) .
فالمسلمون في بقاع الأرض عندما يتوجهون في صلاتهم يستقبلون هذا البيت وهذا الاستقبال بلا شك يبعث هممهم، ويحرك بواعثهم وقلوبهم على الإكثار من زيارته والتردد إليه؛ حيث إنه البيت المعظم والبيت المحرَّم، وقد سمى الله هذا البيت محرما ومباركا، بل وسمى البلد التي وضع بها، قال -تعالى- رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ (سورة إبراهيم، الآية: 37) ، وقال -تعالى- وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (سورة التين ، الآية: 3). وقال -تعالى- إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (سورة آل عمران ، الآية:96) .
وما دام أن هذه أهميته، وأن هذا قدره في النفوس؛ فإن من حق العباد أن يأتوا إليه ليقدسوا ويعظموا حرمات الله؛ لذلك قال الله -تعالى- ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ (سورة الحج، الآية: 30) ، وقال: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب (سورة الحج، الآية: 32) . فالمشاعر التي حوله هي من شعائر الله، والمناسك التي عنده هي من حرمات الله، وتعظيمها تعظيم لله، وعبادة لله، وليس ذلك تقديسا لتلك البقعة بنفسها، وإنما هي لمعرفة أهميتها ومكانتها، وعظم العبادة فيها وشرفها.