لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. logo الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه شريعة الإسلام شريعة واسعة كاملة، اشتملت على كل ما تمس إليه حاجة البشر، حاجة الذكور والإناث في الدنيا وفي الآخرة، فذكر الله تعالى نساء الدنيا وجعل لهن أحكاما، وذكر النساء في الآخرة وذكر ثوابهن كثواب الرجال المؤمنين، وفي هذا تمام العدل والحكمة تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. إن المسلم الملتزم بدين الله ، والذي سار على صراط الله المستقيم ، سيجد دعاة الضلال والانحراف؛ وهم واقفون على جانبي الطريق، فإن أنصت لهم والتفت إليهم عاقوه عن السير، وفاته شيء كثير من الأعمال الصالحة. أما إذا لم يلتفت إليهم؛ بل وجه وجهته إلى الله فهنيئا له الوصول إلى صراط ربه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه ولا انحراف
shape
السراج الوهاج للمعتمر والحاج
62995 مشاهدة print word pdf
line-top
واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى

العبادات التي يُتعبد بها في مكة المكرمة لا شك أنها قربات يُتقرب بها إلى الله تعالى؛ وذلك لأنه هو المعبود وحده، ولأن تلك الأماكن لها فضلها، ولها ميزتها، وتضاعف فيها العبادة، فيقصدها المؤمنون لمضاعفة أجر العبادة فيها، وهم يعرفون أن الله -تعالى- هو المعبود، بخلاف المشركين الأولين، فإنهم كانوا يعتقدون أن المعبود هو أصنامهم التي كانوا يعظمونها في تلك البقاع، فمحا الإسلام ذلك، وجعل التعظيم لله -تعالى- وحده.
وإن تعظيم تلك المشاعر تعظيمٌ للرب الذي شرع تلك المشاعر وتلك الحرمات؛ فقول الله -تعالى- وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا (سورة الحج ، الآية :26) بدأ بالنهي عن الشرك؛ وذلك حتى لا يتخذ ذلك الموقع معبدا لغير الله، تعبد فيه الأصنام، ثم قال الله -تعالى- وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (سورة الحج ، الآية :26) .
أمر بأن يُطهَّر، وليس التطهير بغسله بالماء، ولكن تطهيره من الأقذار والأرجاس والأنجاس والشركيات والبدع والمحدثات؛ فيطهره من هذه الأشياء مكان مقدس، ولأنه موضع العبادة.
وأمر بأن يُطهر؛ لأن هناك من يقصده لأن يطوف به، والطواف عبادة، وهناك من يقصده لأجل الاعتكاف فيه، والاعتكاف عبادة، وهناك من يقصده للصلاة فيه -أي: الصلاة التي هي قيام وقعود، وركوع وسجود- وهي كلها عبادة، فأمر بأن يكون المكان نظيفا طاهرا من الأرجاس والأنجاس والشركيات والبدعيات ونحوها.
وقد جعل الله -سبحانه وتعالى- تلك البقاع بقاعا آمنة مقدسة، وأبقى فيها الآيات التي هي من آيات الله -تعالى- الكونية، قال -تعالى- إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا (سورة آل عمران ، الآية :96-97) .
ومن هذه الآيات البينات التي لا تزال فيه: مقام إبراهيم -عليه السلام- الذي كان يقوم عليه؛ فإنه لما كان يبني البيت ظهرت آثار قدمه على الحجر مع طول مقامه ووقوفه عليه، فأصبح ذلك الحجر آية من آيات الله الباقية.
يقول أبو طالب
وموطئُ إبراهيم في الصخر رطبة علــى قدميه حافيا غير ناعــل
هذا المقام جُعل آية من آيات الله، وجُعِلَ في هذا المكان، وأمر المصلون بأن يصلوا خلف المقام، قال الله -تعالى- وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى (سورة البقرة ، الآية :125) ؛ أي: صلُّوا عنده، وصلاتكم تكون لربكم وحده، وإنما يكون ذلك المقام، وذلك البيت قبلة لكم تتوجهون إليه.
وهذا البيت الذي أمر الله بتطهيره في قوله -تعالى- أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ (سورة البقرة، الآية:125) له أهميته، وله مكانته، وله منزلته في النفوس؛ ولأجل ذلك فإن قلوب العباد تتجه إليه، وتتعلق به ، في شرق البلاد وغربها، وفي قريبها وبعيدها، حيث إنه قبلتهم التي يتوجهون إليها في صلاتهم، وفي أدعيتهم، قال الله تعالى : قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (سورة البقرة، الآية: 144) .
فالمسلمون في بقاع الأرض عندما يتوجهون في صلاتهم يستقبلون هذا البيت وهذا الاستقبال بلا شك يبعث هممهم، ويحرك بواعثهم وقلوبهم على الإكثار من زيارته والتردد إليه؛ حيث إنه البيت المعظم والبيت المحرَّم، وقد سمى الله هذا البيت محرما ومباركا، بل وسمى البلد التي وضع بها، قال -تعالى- رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ (سورة إبراهيم، الآية: 37) ، وقال -تعالى- وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (سورة التين ، الآية: 3). وقال -تعالى- إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (سورة آل عمران ، الآية:96) .
وما دام أن هذه أهميته، وأن هذا قدره في النفوس؛ فإن من حق العباد أن يأتوا إليه ليقدسوا ويعظموا حرمات الله؛ لذلك قال الله -تعالى- ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ (سورة الحج، الآية: 30) ، وقال: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب (سورة الحج، الآية: 32) . فالمشاعر التي حوله هي من شعائر الله، والمناسك التي عنده هي من حرمات الله، وتعظيمها تعظيم لله، وعبادة لله، وليس ذلك تقديسا لتلك البقعة بنفسها، وإنما هي لمعرفة أهميتها ومكانتها، وعظم العبادة فيها وشرفها.

line-bottom